16.04.2013
الفلسطينيون في إسرائيل هم سكّان فلسطين الأصليّين الذين تسنّى لهم البقاء ضمن حدود الهدنة عام 1949 في البلاد (“البقيّة الباقية”) بينما هجّر نحو 80% من أهل البلاد الفلسطينيّين. فقد ابتُلي الشعب العربي الفلسطيني، عند بداية تشكّله السياسي، بنكبة إنسانية في العام 1948 على جميع المستويات، الفردية والجماعية، وبما يتصل بمؤسّساته الاجتماعية والثقافية والسياسية وخسارة وطنه باحتلاله وتوطينه بمهاجرين أتوا إليه من شتّى أنحاء العالم أعادوا رسم معالمه من جديد بحيث تتلاءم وأهدافهم الأيديولوجية ومفاهيمهم السياسية والثقافية وتخدم مصالحهم الاقتصادية. فقد اندثر الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، وتهدّم المجتمع بجميع نخبه الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودُمّرت مرافقه وعلاقاته وأسسه الاقتصادية واقتُلع السكّان من قراهم ومدنهم وشُرّدوا في بقاع الأرض واحتلّوا هامش المجتمعات التي أقاموا بين ظهرانيها كلاجئين أو مقيمين أو مواطنين. فقد تجلّت النكبة بوصفها كارثة فلسطينية على جميع المستويات. ولهذا فقد تحوّلت النكبة إلى مركز ذاكرة الفلسطينيّين وهُويتهم المؤسّسة على تجربة السلب والغربة والعداء. على الرغم من شمولية النكبة الفلسطينية ووطأتها، فقد تسنّى لنحو 156 ألف، ما نسبته 9% من سكّان فلسطين العرب، من القرويّين وفئة ضئيلة من سكّان بعض المدن (حيفا وعكّا ويافا واللد والرملة)، الاستمرار في العيش في البلاد ضمن حدود الهدنة للعام 1949.
يعيش السكّان العرب في ثلاث مناطق رئيسة في البلاد:
الشمال (71.6%) (يشمل لواء الشمال (53.7%) ولواء حيفا (17.9%)) والوسط (14.6%) (يشمل لواء تل أبيب (1.5%)، ولواء المركز (12.1%)، وثلاث قرى القدس المحتلة في العام 1948 (1.03%)) والجنوب (النقب) (13.8%). وعاش نحو 46.7% من السكّان العرب في العام 2006 في البلاد في تجمّعات سكّانية تقوم على إدارة شؤونها مجالس محلّـيّة قروية، ونحو 33.8% يعيشون في بلدات معرّفة رسميًّا على أنها مدن، والبقية (نحو 19.5%) تتوزّع بين نحو 8.2% يعيشون في مدن مختلطة (تضم اللد والرملة ويافا وعكّا وحيفا و”معلوت” ترشيحا و”نتسيرت عيليت”) ونحو 3.6% يعيشون في بلدات تخضع لسلطة مجالس إقليميّة.
اجتاز السكّان العرب الفلسطينيّين في إسرائيل مراحل عدّة، أدت إلى تشكّل مجتمع له مواصفاته الخاصّة. إضافة إلى ذلك، عانت هذه البقيّة الباقية من جهاز بيروقراطيّ عسكريّ فُرض عليها منذ تأسيس الدولة، وترك آثاره البالغة عليها، وأعاق تطوّرها طبيعيًّا. كذلك، شهدت محاولةً لتطويع أبنائها والسيطرة عليهم بطرق عدّة. ومن الهام بمكان الإشارة إلى السياسات التي اتّبعتها إسرائيل تجاه هذه الفئة من السكّان والتي رمت جميعها إلى التطويع والسيطرة وبلورة سماته بما يخدم أهداف الدولة والمجتمع اليهوديّ الحديث النشأة في البلاد. وقد توقّفت العديد من الأبحاث عند هذه المسائل ويمكننا الإشارة إلى الخطوط العريضة لأسس هذه السياسات، على النحو التالي
*إخضاع السكّان العرب إلى ضراوة أنظمة الطوارئ والحكم العسكريّ. هذا الأمر هو بمثابة غاية في حدّ ذاتها، ووسيلة في الآن نفسه. جرى هذا الإخضاع ابتغاءَ الحفاظ على الفصل بين آثار وأشلاء المجتمع السابق والمجتمع الجديد الناشئ، وابتغاءَ تطويع هؤلاء السكّان العرب والسيطرة عليهم على مختلف الأصعدة، عَبْرَ عزلهم عن المحيط العربيّ؛
*إنشاء سلطات محلّيّة للبلدات العربيّة مرتبطة بالسلطة المركزيّة ارتباطا وثيقا، لأجل تعزيز أواصر التبعيّة بدوائر الحكومة المختلفة، وإثارة النزاعات المحلّيّة وإذكائها وخلق مركز محلّي يمتص الشعور بالأسى وخيبة الأمل بين السكّان ويقوّض نشوء مشاريع ورؤى جماعيّة وسياسة قطريّة؛
*قمع جميع محاولات بناء مجتمع مدنيّ وأحزاب ومؤسّسات تمثيليّة بين السكّان العرب، ابتغاءَ تعزيز التبعيّة -على اختلاف صُعُدها- بينهم وبين الدولة والمجتمع اليهوديّ في البلاد؛
*إفقار السكّان العرب في البلاد وسحب الأموال النقديّة من أياديهم، بهدف السيطرة عليهم اقتصاديا وتعزيز تبعيّتهم لسوق العمل اليهوديّ
لا يعني ذلك أن السكّان العرب في البلاد خضعوا إلى هذه السياسات، كما فعل العديد من الباحثين أمثال إيان لوستيك، وإنّما حاولوا من خلال اعتمادهم على أساليب عدّة التغلّب عليها ومقاومتها، إلاّ أن غياب مسألة التنظيم بينهم قوّضت العديد من هذه المحاولات وكانت بمثابة عائقًا أمام نجاحها. ونشهد ظهور سمات معيّنة بين السكّان العرب في إسرائيل في سبعينيّات القرن العشرين، يمكن أن تُعزى إلى تحوّلات بالغة طرأت بينهم، وأدّت إلى تنظيمهم قطريًّا ومحلّيًّا وتحوّلهم من “بقيّة باقية” إلى مجتمع. من أهمّ هذه المستجدّات: ظهور مؤسّسات وأطر سياسيّة وتمثيليّة واجتماعية مختلفة؛ ظهور شرائح من المهنيّين والأكاديميّين ورجال الأعمال والحرفيّين؛ والأهمّ من هذا وذاك بلورةُ طروحات سياسيّة تتحلّى بنبرة ورؤية جماعيّتين
ينظر صنّاع القرار في إسرائيل إلى السكّان العرب بصفتهم أقليّة يمكن تحمّلها في دولة يهوديّة، بحيث يمكن تحسين مستوى حياتهم قليلاً على صعيد الخدمات، ولكن لا يمكن التعامل معهم بصفتهم مجتمع أو مجموعة واحدة تتحلّى بحقوق جماعيّة واحتياجات متميّزة، أو تمكينه من رفع مطالب جوهريّة لتغيير النظام أو تغيير طبيعة الدولة أو تعريفها لذاتها. على ضوء ذلك يتضح لنا غاية تجاهل حكومات إسرائيل المتعاقبة ودوائرها المختلفة للقيادات العربيّة القطريّة في البلاد، مثل اللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة العربية ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل. إضافة إلى ذلك، إن هذه الحقيقة تلقي الضوء على مسألة نظرة حكومات إسرائيل العدائيّة لأي مطلب جماعيّ لصالح السكّان يرفعه حزب ما، أو حركة اجتماعية أو دينيّة، أو منظّمة عربيّة ما في البلاد
يجابه الفلسطينيون، أفرادًا وجماعات، تمييزًا عنصريًّا شاملاً في غالبية المجالات الحياتية في إسرائيل: الحق في الأرض، والتعليم، واللغة، والعمل، والاقتصاد، والثقافة، والتعلّم، والبيئة، والبنية التحتية، والصّـحّة، والتمثيل السياسي، وإمكانية الوصول إلى المعلومات، والمخصّصات الحكوميّة والميزانيات المختلفة. في المحصِّلة، يعيش المجتمع الفلسطيني في البلاد في مستوى معيشة منخفض؛ فنسبة البطالة ونسبة الفقر مرتفعتان إلى درجة بالغة وخطيرة، وتفتقر الكثير من القرى إلى الخدمات الصّحيّة، التّربويّة، والبنية التّحتيّة الأساسيّة التي من شأنها أن تبعث الأمل في إمكانية تغيير مستقبلي. وبإيجاز نقول إنّ المجتمع الفلسطيني في البلاد محتجز في مواطنة من درجة ثانية هي بمثابة عثرة أمامه لنيل حقوقه وحقوق أبناءه، الجماعية والفردية
في حين أنَّ هنالك تجاهلاً متأصِّلاً للمعلومات الخاصّة بالمجتمع الفلسطيني، فإنّ الأغلبيّة اليهوديّة ممثَّلة بشكل واسع، فيتم جمع المعلومات عنها ونشرها وتحديثها وتعديلها باستمرار، في حين يظهر أنّ الشارع العربي متجاهَل طوال الوقت، فيُحرم الفلسطينيون من الهُوِيَّة الجماعيّة، وقد تمّ حتّى قبل سنين قليلة تصنيفهم في الإحصائيّات الرسميّة كـ”غير يهود” وأحيانًا كمجموعات أو طوائف بحسب انتماءاتهم الدينية.
يساهم هذا الوضع في تعزيز غياب المساواة في المجتمع الإسرائيلي، ويحرم الفلسطينيّين من حقّهم في أن يُمثَّلوا بواسطة معلومات دقيقة عنهم يستطيعون من خلالها طرح قضاياهم على الملأ، محلّـيًّا ودولـيًّا، على حد سواء. في عالم باتت فيه المعرفة نوعًا من القوّة، من الواضح أنّه على الفلسطينيّين أن يعرفوا المزيد عن أنفسهم لينالوا فرصة الحصول على اعتراف بحقوقهم الأساسيّة وتحقيقها وتحسين شروط حياتهم وظروف عملهم وبيئتهم وبيئة أطفالهم وأحيائهم وأماكن سكناهم