تغيرات وتحولات في مبنى العائلة العربية في اراضي ال48

09.12.2019

بكر عواودة، المدير العام السابق لجمعية الجليل

يشكل المجتمع العربي الفلسطيني في اراضي الـ 48 نسبة 17.3% من سكان إسرائيل باستثناء سكان القدس ومرتفعات الجولان .ويقدر العدد بقريب من المليون ونصف انسان ويشكلون قرابة 300 الف عائلة. ويسكن قرابة 51% منهم في الشمال والجليل.

كل من يراقب عن كثب التطورات الحاصلة في العائلة العربية في البلاد يلاحظ وجود تغيرات كبيرة نابعة بالأساس من التأثيرات والتحولات التكنولوجية والاقتصادية والعلمية وحتى القيمية والسياسية. يلاحظ اولا ان نموذج العائلة النووية الحديثة فقد من مركزيته التاريخية. وبدون ادنى شك هناك تأثيرات عصرية عالمية من حيث تعاظم الفردانية والدمقرطة داخل العائلة ادت بالتالي الى تغيير الوظائف التاريخية والتقليدية للاب والام والى تغييرات بأنماط العلاقات بين الاباء والابناء داخل العائلة وبالتالي الى تغيير مبنى العائلة شكلا ومضمونا. هذه التحولات تنعكس جليا بالتغيرات الديموغرافية في المجتمع وخصوصا في مبنى العائلة مثل انخفاض في حجم العائلة، ارتفاع مشاركة النساء في سوق العمل، تأخر سن الزواج، ارتفاع نسبة الطلاق، تغير انماط الصرف والأولويات داخل العائلة وامور اخرى. وفي واقعنا الفلسطيني في الداخل يلاحظ اتجاه مستمر في انخفاض نسبة الاطفال حتى جيل 14 حيث انخفضت قرابة 6% في السنوات العشر الاخيرة .وبنفس الوقت هناك ارتفاع في نسبة المسنين من جيل 65 فصاعدا بأكثر من الثلث حيث ارتفعت نسبتهم ب 1.2% مقارنة ب 3.2% سنة 2007.

ولكن يبقى التغيير في حجم العائلة العربية هو اكبر دليل على التغيرات الحاصلة داخل العائلة العربية على مر العقود، ففي سنة 1960 تكونت العائلة العربية من 9 اشخاص بالمعدل ولكن مع الوقت تقلص هذا العدد متأثرا بعوامل كثيرة الى 5 اشخاص تقريبا سنة 2017.هذا تحول كبير يحمل في طياته اثارا اقتصادية واجتماعية وله تأثير مباشر على دور العائلة النووية وعلى الادوار المنوطة داخل العائلة. لا شك ان الأبعاد الاقتصادية المعيشية وارتفاع معدل النساء خريجات الجامعات تعتبر عوامل هامة في التأثير على حجم العائلة الا ان هناك عاملا اخر وحاسم لا يتم الانتباه اليه وهو انعدام الاراضي المتاحة للبناء للأزواج الشابة، حيث باتت اغلب العائلات لا تملك اراض للبناء لأولادها, وبحسب المعطيات المتوفرة يبدو ان 55% من العائلات بحاجة الى شقة سكنية خلال الخمس سنوات القادمة، ولكن الانكى من ذلك ان 50% من هذه العائلات لا تملك ارضا للبناء او حتى مالا لشراء شقة. وتشير الاحصائيات الى وجود احتياجات لأكثر من 100 الف وحدة سكنية بشكل فوري. وبالتالي فأن تقلص حجم الاسرة متعلق ايضا بالإمكانيات المتاحة التي يمكن ان توفرها العائلة لأبنائها، من تعليم وتأهيل اكاديمي وبناء وزواج الخ .. وبانعدام الامكانيات الاقتصادية للأهل وقدراتهم المحدودة على مساعدة ابنائهم فبات تقليص حجم الاسرة امرا مفروغا منه وتحصيل حاصل خاصة في ظل حقيقة ان اغلبية العائلات تعيش تحت خط الفقر. وفي هذا الشأن لا يمكن اغفال دور السياسات الحكومية المختلفة التي ادت الى التأثير على حجم الاسرة مثل انهاء معونات تأمين الاطفال، فتح الامكانيات لتعليم النساء وتسهيله في قطاعات مختلفة في المجتمع كما يحصل في النقب ولكن الاهم من ذلك هو انعدم وجود سياسة ناجعة لمعالجة افة الفقر داخل المجتمع العربي .

لقد اشرت سابقا الى عامل مهم جدا وهو النسبة المتصاعدة للنساء المشاركات في سوق العمل الى جانب الرجال مما يشكل بداية لطبقة وسطى ترى بالمشاركة في العمل والتعليم امورا اساسية تلعب فيه المرأة دورا رياديا الى جانب الرجل في بناء العائلة .الا ان المفارقة انه بالرغم من ارتفاع نسبة المشاركة في العمل لدى النساء تشير الاحصائيات والمعطيات ان اكثر من 50% من العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر ومدخولاتها لا تلبي احتياجاتها المعيشية. وتظهر المعطيات المختلفة ان مدخولات العائلة العربية المتوسطة اقل ب 30% من مدخولات عائلة يهودية متوسطة. وهذه نفس النسبة تماما كما كانت قبل اكثر من عشر سنوات. حيث تشير المعطيات ان دخل العائلة العربية سنة 2007 كان ثلثي العائلة اليهودية بواقع 6500 مقابل 10000 شاقل وفي سنة 2017 ارتفع معدل الدخل ولكن بقيت الفجوة ثابتة ، بواقع 10000 شاقل للعائلة العربية مقابل 15000 اليهودية. وهذا بحد ذاته معطى مثير للاهتمام لأنه خلال هذه الفترة تضاعفت نسبة النساء المشاركات الا انها كما يبدو ليست كافية لسد الفجوة. واذا اعتبرنا ان المصاريف من ماء وكهرباء ومواصلات واتصالات وطعام متشابهة لدى العائلة العربية واليهودية يمكننا فهم النقص الذي تسببه هذه الفجوة في المدخولات وفي اولويات العائلة العربية . فليس غريبا الاشارة الى ان اكثر من 30% من العائلات العربية تسدد قروضا بنكية جارية ليست متعلقة بقروض السكن.

اما بخصوص مصادر الدخل في الاسر العربية فعلى مر الزمن يمكن ملاحظة تحول المجتمع من مجتمع زراعي الى العمالة المهنية في فروع العمل المختلفة حيث ان 57% من الأسر الفلسطينية في أراضي 48، تعتمد على الأجور والرواتب كمصدر لدخلها الأساسي، يشار إلى أن التغيرات الحاصلة في السنوات الأخيرة في توزيع مصادر الأجور بين القطاعات، مقارنة للعام 2007 سٌجلت ارتفاعا في نسبة الأسر التي تعتمد على القطاع الخاص العربي كمصدر لدخلها الرئيسي، في حين انخفضت نسبة الأسر المعتمدة على القطاع الإسرائيلي. وفي المجمل بلغت نسبة الأسر الفلسطينية في أراضي 48 والتي تعتمد على مصدر دخل يعود للعمل 73.4% في حين 20.8% يعتمد على المخصصات الحكومية ونحو %4.4 على التقاعد.

وبالرغم من الظروف الاقتصادية والتحديات المعيشية لا بد من الاشارة الى احد اهم التطورات في الاسر العربية وهو الاستثمار في التعليم حيث وضعت اولويتاها في تعليم ابنائها ويظهر هذا جليا في نسبة الصرف المتصاعدة على التعليم بشكل عام مقارنة بالسنوات الماضية وكذلك بارتفاع نسبة الحاصلين على بكالوريس 2% خلال عشر سنوات ناهيك عن ارتفاع نسبة الفتيات الملتحقات بالمعاهد العليا. ويعود ذلك لادراك العائلات والاسر العربية ان التعليم هو احد مقومات البقاء وأحد مركبات العيش الكريم في عالم متغير وغير ثابت .