العائلة والمجتمع

على الرغم من ان المرض هو تجربة جسدية تخص الشخص وحده, الا انها تؤثر ايضا على العائلة المحيطة به وتشاركه صعوباته, هنالك حاجة الى التعايش مع الاحباط وانعكاسه على الحياة اليومية. الكثير قد اشاروا الى اهمية تلقي الدعم المعنوي من عائلاتهم من اجل ان يتغلبوا على آلامهم. ان العائلة تشكل المصدر الاهم لدعم المريض معنويا, ومن جهة اخرى فانها قد تخلق صعوبات عديدة في التعايش مع المرض.

هنالك اشخاص قد افصحوا عن امتنانهم لعائلاتهم عن الدعم الذي قدموه لهم. عملياً ان الدعم المعنوي الذي تقدمه العائلة هو الشيء الاهم من اجل التغلب على صعوبات الالم, بالاضافة الى ذلك فان الدعم لا يقتصر على الدعم المعنوي فقط بل في الكثير من الاحيان دعم مادي. من هنا يتضح ان الدعم العائلي اظهر مساعدة في تحسين نفسية المريض والشعور ان هنالك من يسانده ويقف بجانبه مهما كانت الظروف.
ميسر, عمرها 75 سنة, تقول:

“ان المرض من تقادير الله لنا. وليس في اليد حيلة.تستمر فتياتي الطيبات في زيارتي يوميا, ويقمن باعداد الطعام من اجلي. ولكنني لا اتناول سوى القليل من الطعام مع رغيف الخبز.
انت تعلمين الحال فلكل واحدة منهن عائلتها ومسؤولياتها الخاصة ولكنهن يرفضن التوقف عن زيارتي.”

منى التي تعاني من مرض السرطان, تقول:”اولادي.. اقسم انهم مساكين, بالرغم انه لمن الصعب ان يأتوا يومياً, الا انهم رفضوا غير ذلك.
كل الوقت كنت اقول لهم لا تأتوا لزيارتي يومياً, فانا ابعد عنكم ما يقارب الساعتين ذهاباً واياباً وبالاضافة الى الساعة التي يجلسونها برفقتي واذا بيومهم قد انتهى فقط على سفرهم من اجل رؤيتي, ولطالما حاولت ان امنعهم ولكن عبثاً. بناتي المسكينات يقمن في القدس, وبما انني لم اكن اتناول طعام المشفى فقد كن يحضرن لي الطعام يوميا, احداهن كانت دائما تصطحبني لتلقي علاج الاشعة وكانت تأبى ان يصطحبني اباها او اخاها , وكانت تمضي الاسبوع كله بجانبي.اشكر الرب انه منحني عائلة كهذه.”

ان المساعدة لا تقتصر على مساعدة الاهل, احيانا الاصدقاء ايضا يساعدون, رلى التي تعاني من الصداع النصفي(الشقيقة), تقول:
“ذهبت الى صديقتي, وكنت اعاني من صداع رهيب يومها, فقدمت لي كوبا من القرفة, وقامت بتغطيتي واغلقت باب الغرفة التي كنت مستلقية فيها ونمت ما يقارب 3 ساعات.
وبعد ذلك ايقظتني لتناول الدواء حتى بدأت اشعر بالتحسن والصحو من اجل اصطحاب اطفالي الى البيت.”
عايشة, التي تعاني من آلام في المفاصل, تشاركنا:

” زوجي متفهم للوضع, ودائما يساندني ويمنحني راحة نفسية. يساعدني احيانا في اعمال البيت وفقا لاوقات فراغه, ولكنني اشعر احيانا انه غير مرتاح. هذا هو وضعنا في صعود وهبوط. انا اكن له كامل الاحترام لانه يتفهم ويصبر على وضعي, وكما يقولون: ” بالاوقات الجيدة والسيئة, بالمرض والصحة “, ولكن لكل شيء وحدوده . فبالطبع انا افكر انني اريد بيتي وزوجي واولادي.”
سامي ايضا, عمره 54 من الجنوب, يقول: ” لى سبيل المثال, اذا حددنا موعد مع شخص معين للخروج الساعة الخامسة, ولكن بدأ الصداع في الراس, حينها يقولون ان لديه صداع او نائم بسبب الصداع في راسه, حينها الجميع يتفهم الوضع حتى اولئك اللذين لم يخرجوا معنا مسبقا, لانه مفهوم ضمنا ان هذا الصداع علاجه فقط النوم. وهذا المفهوم وكانه يخفف عنك المسؤولية عن عدم التزامك بالموعد لان الجميع يعذرك.لابد من البيئة المحيطة بك ان تتفهم وضعك, لان موازين الامور لديك متعلقه بمتى شعورك بالالم؟ ”
____________________________________________
مع المساعدة التي تقدمها العائلة, هنالك اناس قد قالوا لكم من الصعب عليهم انه لم تعد لديهم القدرة على القيام باعمالهم المعتادة كما كانوا في السابق.

سامي عمره 54, يقول : ” اذا بدأت تشعر بالالم اذا سيتغير كل برنامجك الزمني الخاص بك.
وهذا التغيير غير سهل. من الممكن ان تضطر ان تتنازل عن رؤية احدهم, او التحدث لآخر, كذلك لا يستطيع الشخص حينها ان يتناول الطعام او ان يشرب ولا حتى يستطيع ان يجيب على الهاتف الخاص به. ان الصعب في الامر, ان تاثير هذا الالم يضر ايضا بالبيئة المقربة منك(العائلة). ”

تقول عائشة :”ان الالم يؤثر على وظيفتي كأم ,كَربية منزل وكأنثى, انه فعلا يؤثر بكل المفاهيم.
على سبيل المثال: لنفترض اننا نريد الذهاب الى مكان الالعاب, انا لا استطيع ان اركض ولا استطيع ان اقفز, ولا استطيع ان اتسلق مع اولادي من اجل ان يركبوا السحسالية, حقا ان هذا الامر بالغ الصعوبة وكما تعلمين ان هذا الامر لديه التاثير الكبير على الاولاد. ولا اريد لهم يعيشوا بمثل هذه المشاعر, وهذا الجو معي انا والدتهم, لانني مريضة.
انا ام لطفلين بالغين من العمر 10 و 12 سنة. لا اريد لهم ان يستمروا بالقلق على وضعي وانني لربما اموت يوما, اريد لهم ان يشعروا انني ام عادية كباقي الامهات.”


______________________________________________

كوالد يعاني من الامراض المزمنة, يجب عليه ان يتعامل مع اسئلة اولاده.
عايشة تستمر في الشرح:” انني ابذل ما بوسعي من اجل ان اشرح لهم الوضع. ان هذا الالم لا يسبب للموت انه الم في المفاصل وليس على سبيل المثال في الرئات الالم الذي من الممكن ان يؤدي للموت. صحيح انهم يشعرون بالخوف ولكنهم متفهمون. احاول ان اكون صادقة وشفافة معهم قدر المستطاع. انني احاول ان اشاركهم بكل هذه الامور, ليس فقط على مستوى الم المفاصل , فانا ايضا اخبرهم عن فحوصات الثدي التي افعلها, استئصال كيس والخ ..
بالفعل انا احاول ان اشاركهم كل اموري واكون واضحة معهم حتى النهاية, من اجل ان امنع الشك والخوف من انني اخفي عنهم امر ما او اكذب في بعض المواضيع, ليرتاح تفكيرهم.”

هنالك اشخاص قد وصفوا كيفية ان الالم يمس بنشاطاتهم الاجتماعية مع الاصدقاء وداخل المجتمع.
يقول فادي :” في البداية ان كانوا يريدون ان يخرجوا الى مكان بعيد لم اكن اوافق, لانني اعاني من آلآم في البطن, على طول الطريق ذهابا وايابا كنت اقضي معظم الوقت في المرحاض. لقد كان الامر يضايقهم جدا, وانا شخصيا كنت انزعج, وكانني اقيدهم.بالفعل الامر كان يضايق كلا الطرفين ويؤثر جدا”

بديع, الذي يعاني من آلام في الظهر يقول :
” لدينا نحن العرب عندما نذهب الى الاعراس نمضي وقتا طويلا هناك, وان كنت اشعر بالالم الشديد يكون الوضع غير محتمل ولا اذهب.
مثال اخر ان كان ظهري يؤلمني وهنالك مأتم فانا لا استطيع الذهاب.
هنالك قسم من الناس لا يعذرون المريض الذي يعاني كل الوقت من الآلام ويبدأون بالتحاور فيما بينهم انه انسان متكبر والكثير من الامور الاخرى.
هنالك مشاكل وكذلك آثار اجتماعية وكل ولديه ثمنه.”
في بعض الاحيان العائلة لا تتفهم آلام المريض ولا مرضه.على سبيل المثال, ربيع البالغ من العمر 27 , يقول:”انا اشعر ان عائلتي تعتبرني نقطة ضعفها.
لدينا في المجتمع العربي, ان كان احد افراد العائلة مريضاً اذا يعتبر هو نقطة ضعف عائلته. انا اظن ان عائلتي ايضا اتبعت هذا المنهج من التفكير وبدأت تتصرف وفقا له.
في البداية لا اخفي انه اثر علي قليلا. مثلا, لقد كنت احاول ان اقول دائما ” انا بخير, انا في حال جيدة, ليس هناك اي مكروه ” من اجل ارضاء اسرتي, ليس تماما من اجل ارضاء عائلتي , نبع ذلك اكثر من منطلق ان لا يقول الناس لاهلي ابنكم يعاني من التهاب المفاصل, يا له من مسكين. عندنا المجتمع يدفعك ان تشعر انك فعلا مسكين, وياله من شعور لا يطاق.”

” انا لوحدي , انا مقاطع الجميع, آكل واشرب لوحدي, اليس هذا افضل!
لانني مريض بدلا من ان يساعدونني هم يطلبون مساعدتي, فلتذهب يا ادهم وتحضرنا, فلتفعل لنا كذا وكذا ..
ولكن الان الجميع لديهم علم بوضعي , انا لا اخرج ولا اذهب الى اي مكان, هذا الموجود, من احب له ذلك اهلا وسهلا ومن كره ذلك فليذهب بعيدا عني.
دائما أَحمدُ الله انني لست بحاجة لاحد والحمد لله, انا اطلب من ربي ان لا احتاج احدهم ذات يوم لا في السراء ولا في الضراء.”