“الصحة: قلب الاقتصاد”

26.10.2020

د. محمد خطيب

قبل شهرين ونيف قمت بنشر مقالة حول الخطة متعدّدة المجالات والسنوات لتحسين الوضع الصحي في المجتمع العربي التي قامت بتحضيرها وزارة الصحة ووزارة المساواة الاجتماعية وبالتشاور والتنسيق مع العديد من المهنيين العرب (في قطاعات الطب، الصحة الجماهيرية، المهن الطبية المساعدة، التغذية وغيرها) ومع مزوّدي الخدمات الصحية (صناديق المرضى) ومنظمات المجتمع المدني العربية ذات العلاقة، منادياً بتكثيف العمل البرلماني والجماهيري المؤسساتي والضغط على الحكومة والوزارات ذات العلاقة بتبني الخطة وادراجها في الميزانية العامة. وقد قمنا في جمعية الجليل واللجنة القطرية للصحة وبالتنسيق مع القائمة المشتركة ومؤسسات وجمعيات أخرى بالتواصل مع وزارة الصحة مطالبين ببحث الموضوع وإقرار الخطة. لكن للأسف لم نلق آذاناً صاغية بل اتضح ان مسؤولي وزارة الصحة (الوزير والمدير العام) غير مطلعين وليسوا على علم كاف بهذه الخطة.

من المهم التذكير بأن العمل على بلورة هذه الخطة كان على خلفية عدم وجود أيّ ذكر للخدمات الصحية في الخطة الحكومية 922 لتطوير البلدات العربية، التي أقرتها الحكومة وبدأ العمل بتنفيذها منذ 5 سنوات، رغم المعرفة التامة والمسبقة بالنواقص والحاجات الملحة والمتعاظمة والفجوات في كافة المقاييس والمعايير الصحية بين المجتمعين اليهودي والعربي. وقد يكون ذلك أيضاً وفق المفهوم الذي يفصل بين الصحة والاقتصاد والذي فنَدته تجربة “الكورونا” التي أثبتت أن لا مكان لهذا الفصل وأن الصحة هي قلب الاقتصاد.

اليوم، وفي أعقاب قرار تمديد الخطة الاقتصادية 922 للمجتمع العربي، برأيي هنالك فرصة لتصحيح الغبن والخطأ الذي حصل بعدم ادراج موضوع الصحة في هذه الخطة منذ بدايتها وذلك من خلال ادراجها الفوري في الخطة الشاملة التي يتوجب تحضيرها نحو استثمار الميزانيات المرصودة ومن خلال اجراء تعديلات بنيوية في الخطة 922 لتشمل مجال الصحة والذي ثبت باليقين مدى أهميته وآثاره على مجمل مناحي الحياة خاصة في أعقاب أزمة الكورونا التي أكدت على الحاجات الصحية الملحة في المجتمع العربي المعروفة وكشفت المزيد من هذه الحاجات.

صحيح أن الخطة الصحية قد تم تحضيرها من قبل وزارة الصحة ووضعها على طاولة وزارة المالية والحكومة لاقرارها بهدف تمويلها بميزانية مخصصة إضافية دون أي علاقة بميزانية خطة 922, لكن هذا لم يتحقق للأسف، ووفق معرفتي ومتابعتي لسيرورة اتخاذ القرارات بهذا الصدد، فأنا لست من المتفائلين بتجاوب وزارة الصحة والحكومة عامة خاصة في ظل التغيرات السياسية المتلاحقة وبناء على “درس” الكورونا الذي أوضح بشكل كبير موقع المجتمع العربي وصحته في أجندة الحكومة ومؤسساتها وفي سلم أولوياتها.

من جهة أخرى، فإن السلطات المحلية لم تستغل بشكل كاف الميزانيات التي رصدت في خطة 922 لأسباب متعددة. وعليه فقد شهدنا فائض من الميزانيات الكبيرة التي لم يتم استغلالها ليس لعدم ضرورتها بل لأسباب أخرى من بينها نقص التخطيط والخطط الجاهزة لاستثمار هذه الميزانيات. وحيث أن خطة تطوير الصحة في المجتمع العربي هي خطة جاهزة، متكاملة ومفصلة فبرأيي سيكون من السهل استثمار الجزء المطلوب من ميزانيات خطة 922 فيها. وعليه أتوخى هنا بل أطالب اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة والقائمة المشتركة بالعمل الفوري لإدراج الخطة الصحية كجزء أساسي في الخطة المكملة 922. 

بقي أن أشير الى إجماع الكثيرين من المهنيين العرب ذات العلاقة، على أهمية وضرورة هذه الخطة غير المسبوقة في المجتمع العربي والتي من شأنها، في حال تنفيذها، إحداث تغيير كبير في الخدمات وفي الوضع الصحي للسكان العرب.

يجدر التذكير بأن الخطة تطرح تدخلات على أربعة مسارات: البنى التحتية الفيزيائية، البنى التحتية البشرية (القوى العاملة)، البحث العلمي والمعلومات، السياسات والقوانين الصحية. ويشمل ذلك إقامة العديد من الخدمات الصحية في البلدات العربية، مراكز جهويّة (مناطقيّة) للتنمية الصحية، نقاط دعم نفسي، غرف طوارئ أولية، دعم السلطات المحلية لتطوير مساحات مطوّرة للصحة كمسارات المشي والملاعب والحدائق، ملاكات للاختصاصات الطبية المطلوبة، برامج تأهيل، تقوية الطواقم العاملة، مسارات تعليم جديدة، منظومات تكنولوجية للمعلومات والإعلام الصحي وغيرها، وقد ظهرت ضرورة وأهمية جميع هذه المواضيع في ظل أزمة الكورونة.

في الوقت ذاته، تتركّز الخطة في المواضيع الخمسة الأكثر إشكالية في المجتمع العربي وفق الأبحاث والتحليلات والمعطيات: السكّري والسمنة، التدخين وأمراض الرئة، الصحة النفسية، صحة الأطفال، صحة النساء. وتطرح خطوات عملية في كل المسارات المذكورة أعلاه في هذه المواضيع، وحدّدت الميزانيات المطلوبة وبالتفصيل، ووصلت بالمجموع حوالي 900 مليون شيكل (جزء منها هو استثمار لمرة واحدة والجزء الآخر هو مستمر عبر السنوات).

الكاتب مدير مركز الأبحاث الأجتماعية، جمعية الجليل ومحاضر في الكلية الأكاديمية صفد ومركز اللجنة العليا لمتابعة القضايا الصحية في المجتمع العربي المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا.