الصحة في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل

محمد خطيب، حزيران 2019

يعتبر موضوع الصحة في المجتمع العربي أحد المواضيع الأساسية المطروحة على قائمة أعمال لجنة المتابعة ومجموعة الصحة المنبثقة عن مؤتمر القدرات التابع للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية. كما أن موضوع الصحة هو من المواضيع الملحة في النقاش المجتمعي لرفاهية الفرد والمساواة في الحقوق وهو أحد المجالات التي تتجلى فيه الفجوات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي وبين المناطق الجغرافية المختلفة وأهمها بين مركز البلاد وأطرافها والتي تعود الى العديد من الأسباب أهمها التوزيع غير العادل للخدمات والموارد الصحية.

الوضع الصحي في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل

يبلغ معدل العمر المتوقع 77.5 سنوات لدى الرجال العرب مقارنة ب 81.4 سنوات لدى الرجال اليهود. وفيما يتعلق بالنساء فقد بلغ معدل العمر المتوقع لدى النساء العربيات 82 سنوات مقارنة ب 85 سنوات لدى النساء اليهوديات. أما بالنسبة لوفيات الأطفال، فرغم الهبوط المستمر في نسبتها عامة وعلى مر السنين إلا أن الفجوات بين الأطفال العرب واليهود ما زالت قائمة فقد بلغت هذه النسبة لدى العرب 5.9 (لكل 1000 ولادة حية) مقابل 2.3 لدى اليهود (وزارة الصحة، 2018).

يعاني المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من نسبة آخذة بالازدياد من حيث الإصابة بالأمراض المزمنة حيث أن 16.2% من الفلسطينيين يعانون من أحد الأمراض المزمنة على الأقل (السكري، ضغط الدم، أمراض القلب، الدهنيات والكولسترول، السرطان، القرحة، الربو، هشاشة العظام، الصداع، التهاب المفاصل، الحساسية، الديسك، أمراض الكلى، أمراض الكبد، الاكتئاب والأمراض النفسية)، وتجدر الإشارة الى الارتفاع المتواصل لنسبة الأمراض المزمنة حيث تشير المعطيات الى تضاعف هذه النسبة في العشر سنوات الأخيرة (2004-2015). كما يعتبر مرض السكري هو الأكثر انتشاراً من بين الأمراض المزمنة بواقع 6.8% في المعدل العام. ويستدل أن نسبة انتشار السكري قد تضاعفت أيضاً في العقد الأخير. أما ضغط الدم العالي فهو ثاني أكثر الأمراض انتشاراً بين السكان الفلسطينيين في إسرائيل وفي المكان الثالث تأتي الدهنيات والكولسترول. وفق المعطيات، يظهر ارتفاع في نسبة انتشار مرض السرطان في المجتمع العربي في إسرائيل. كما تشير المعطيات الى أن أكثر من 40% من السكان العرب يعانون من السمنة مع العلاقة الواضحة بين السمنة والوعي الصحي، الثقافة واتباع نمط حياة صحي وفعال.

أما فيما يتعلق بالصحة النفسية فتشير المعطيات الى أن الفلسطينيين في إسرائيل يعانون بشكل أكبر من الاضطرابات النفسية مقارنة باليهود. ويظهر ذلك بشكل بارز عند النساء العربيات اللواتي يحتجن أكثر للتدخل والعلاج. كما أن نسبة محاولات الانتحار مرتفعة نسبياً عند العرب مقارنة باليهود إضافة الى أن الخدمات النفسية الوقائية، العلاجية والتأهيلية قليلة في المجتمع العربي ويعاني السكان العرب من التأخير في الحصول على خدمات الصحة النفسية الأولية. من جهة أخرى فإن موضوع الصحة النفسية لا يزال موضوعاً ذات حساسية ثقافية واجتماعية مما يشكل صعوبة بالتعامل معه وبالتالي قلة بالتوجه للعلاج أو الاستشارة النفسية.

أما من حيث القوى العاملة والخدمات النفسية فإن الأطباء العرب المتخصصين بالطب النفسي يشكلون 1.9% فقط من الأطباء النفسيين في إسرائيل، ويشكل المتخصصون بالطب النفسي للأولاد والناشئة 2.5% فقط من مجموع المتخصصين في هذا المجال. أما السيكولوجيين فيشكلون 5.1% فقط. ويبرز عدد العيادات الضئيل للخدمات النفسية في المجتمع العربي حيث يوجد 17 عيادة فقط مقابل 259 عيادة في الوسط اليهودي.

الوعي الصحي والسلوكيات الصحية

بلغت نسبة المدخنين في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل للأجيال 15 سنة فأكثر نحو %30.0 بواقع %50.4 بين الذكور و 9.2 % بين الإناث…أما تدخين النرجيلة فهو ظاهرة شائعة بين الشباب، الذكور والإناث على حد سواء، حيث يتضح أن نحو %12.6 من الفلسطينيين في إسرائيل في جيل 15 سنة فأكثر يمارسون تدخين النرجيلة. إضافة لذلك فإن أقل من ثلث السكان العرب فقط في جيل 18 فأكثر يمارسون الرياضة البدنية.

يظهر النقص الواضح في الخدمات الصحية عامة في إسرائيل والذي يتجلى بالنقص في عدد الأسرة العلاجية في المستشفيات ومؤسسات العجزة، النقص في القوى العاملة الصحية الطبية والمساعدة، وحدات علاج الطوارئ، أقسام العلاج والاستشفاء، أقسام الطوارئ الأولية، مراكز التشخيص الإشعاعي وغيرها. تعاني مناطق الأطراف (الشمال والجنوب) من هذا النقص بالخدمات أكثر من المناطق الأخرى وعليه فإن العرب يتأثرون بهذا النقص أكثر من غيرهم حيث أنهم يتركزون في مناطق الأطراف (الجليل والنقب).

ما هو المطلوب لتحسين وتطوير الصحة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل

إن تطوير الصحة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يتطلب تدخلاً شمولياً طويل الأمد بحيث يشمل هذا التدخل الأجهزة المختلفة وليس فقط الجهاز الصحي. هذا التدخل يجب أن يبدأ بالمستوى الفردي وحتى المستوى الأعلى من تطوير سياسات صحية لتعزيز الصحة. وفي ظل الوضع الصعب الذي تشير اليه المعطيات فمن المطلوب وبشكل فوري اتباع سياسة تفضيل مصحح تستثمر وفقها الامكانيات المطلوبة لتحسين الوضع الصحي. أما مسارات الاستثمار التي يجب يتم تعزيزها فهي:

تأمين وتحسين الظروف المقدمة للصحة: التربية والتعليم، الاقتصاد، العمل
البنى التحتية الخدماتية والقوى العاملة الصحية والطبية
تطوير بنى تحتية مطورة ومعززة للصحة
التربية، التثقيف والتنوير الصحي
المعلومات، البحث العلمي لرصد ومتابعة الوضع الصحي
التدخل المنظم في مجالات إشكالية رئيسية: الأمراض المزمنة، التدخين، صحة النساء والأطفال
التداخل الجماهيري والتنظيم المهني

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فإن على المؤسسة الرسمية (الحكومة ووزارة الصحة) وبقرار حكومي، تبني مشروعاً قومياً شاملاً، متعدد المجالات والسنوات والذي يشمل:

تحسين الوضع الاقتصادي الاجتماعي للسكان الفلسطينيين في إسرائيل.
تطوير بنى تحتية وأطر صحية وطبية خدماتية في البلدات والمدن العربية: مراكز لصحة المرأة، مراكز لتنمية صحة الأولاد والشبيبة، مراكز للصحة النفسية، مراكز لتطور الطفل، معاهد للتشخيص المبكر، مراكز للتأهيل وزيادة القوى العاملة الصحية، مراكز لخدمات الطوارئ.
تقوية وزيادة القوى العاملة الصحية والطبية وتطويرها عبر برامج تأهيل مهني وتسهيل انخراطها في الأجهزة والمؤسسات الصحية.
الاستثمار في البحث العلمي الطبي والصحي وفتح مراكز أبحاث علمية تعنى بموضوع الصحة الجماهيرية وتطوير منظومة محوسبة لرصد مستمر ومتابعة الوضع الصحي في المجتمع العربي.
تطوير برنامج قومي للوقاية، العلاج والتأهيل فيما يتعلق بالأمراض المزمنة مع التركيز على تقوية وتعزيز الطب في المجتمع (أطباء العائلة، المهن المساعدة، عيادات متخصصة بالأمراض المزمنة على نمط عيادات السكري).
ملائمة الخدمات الصحية ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً للجمهور العربي وخاصة خدمات الصحة النفسية بما في ذلك تأهيل طواقم من المهنيين العرب، ملائمة مواد الترشيد والتثقيف والمعلومات لغوياً ومضموناً.
تطوير مشروع شامل للصحة النفسية يشمل تطوير وزيادة القوى العاملة النفسية المتخصصة، البنى التحتية الخدماتية، عيادات جديدة، مراكز للتأهيل النفسي والاجتماعي، حملات توعية لتطوير الوعي والمعرفة حول الصحة النفسية واستغلال الخدمات.
توسيع وتقوية الدعم التمويلي والمهني للسلطات المحلية العربية لتطوير تداخلها ومسؤوليتها عن صحة الجمهور من خلال تشغيل مركزي صحة في جميع السلطات المحلية وبالمقابل تأهيل الكوادر العاملة في مجال الصحة في السلطات المحلية.
تطوير ودعم نموذج وحدات صحة الجمهور في السلطة المحلية لتشمل مجالات المراقبة، التربية والتثقيف الصحي، البحث وتوفير المعلومات على المستوى المحلي.

·توفير الاختصاصات الطبية الناقصة والملاكات في المجتمع العربي مثل الطب النفسي، الطب الجماهيري والمجتمعي، طب النساء، التأهيل.

تفعيل مشروع قطري لمكافحة التدخين وإدخاله الى كافة البلدات العربية.
بناء وتفعيل برنامج قومي لتطوير الصحة (نمط حياة صحي وفعال) ودمج البلدات العربية أكثر في المشاريع الصحية القائمة مثل مشروع “الصحي صح” الذي تقوم به وزارات الصحة، التربية والتعليم والرياضة والثقافة وتخصيص الميزانيات المطلوبة التي تمكن البلدات العربية الضعيفة من الاندماج والاستفادة من هذه المشاريع (الغاء ال Matching).
توسيع وتعميق التعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مجالات الصحة المختلفة بما في ذلك دعم وتمويل المشاريع القطرية، المناطقية والمحلية التي تهدف الى تطوير الصحة في المجتمع العربي وبناء منظومة عمل مشترك لتخطيط وتنفيذ برامج صحية وتمويلها.
تخصيص الميزانيات لتطوير مساحات جماهيرية مطورة ومعززة للصحة في البلدات العربية مثل الملاعب في الأحياء، مسارات المشي، مسارات الدراجات، مرافق وحدائق عامة تشمل وسائل للنشاط الجسماني